في لسان العرب اسم يؤتى به للمفاضلة بين أشياء معينة، أو أوصاف محددة، يطلق عليه النحويون (اسم التفضيل).
وقد جاء هذا الاسم في مواضع عديدة في القرآن الكريم. نسعى فيما يلي إلى التعريف بالمراد من هذا الاسم، ثم نأتي بأمثلة تطبيقية عليه من القرآن الكريم، ونختم بذكر بعض الأمثلة القرآنية التي جاء فيها هذا الاسم غير مراد منه معنى التفضيل.
تعريف اسم التفضيل:
يُعرف النحويون اسم (التفضيل) بأنه: صفة تؤخذ من الفعل؛ لتدل على أن شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدهما على الآخر فيها، مثل: (خليل أعلم من سعيد)، فـ خليل وسعيد كلاهما اشتركا في صفة العلم، بيد أن خليلاً زاد على سعيد بهذه الصفة.
صيغة اسم التفضيل:
لاسم التفضيل وزن واحد، هو صيغة (أفعل) للمذكر، و(فعلى) للمؤنث: كأفضل وفضلى، وأكبر وكبرى. وقد حذفت همزة (أفعل) في ثلاث كلمات: هي (خير، شر، حب)، نحو: (خير الناس من ينفع الناس)، وكقولك: (شر الناس المفسد).
وهذه الأسماء الثلاثة أسماء تفضيل، أصلها: (أخير، أشر، أحب)، حذفوا همزاتها لكثرة الاستعمال، ودورانها على الألسنة. ويجوز إثباتها على الأصل، وذلك قليل في: (خير وشر)، وكثير في: (حب).
شروط اسم التفضيل:
قال النحويون: لا يصاغ (اسم التفضيل) إلا من فعل ثلاثي الأحرف مثبت، متصرف، معلوم، تام، قابل للتفضيل، غير دال على لون، أو عيب، أو حلية. وإذا أريد صوغ (اسم التفضيل) مما لم يستوف الشروط، يؤتى بمصدره منصوباً بعد (أشد)، أو (أكثر) أو نحوهما، تقول: (هو أشد إيماناً)، و(أكثر سواداً)، و(أبلغ عوراً)، ونحو ذلك من الأفعال التي لم تستوف شروط صياغة هذا الاسم.
و(اسم التفضيل) له حالات أربع من حيث التذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع، يُعرف تفصيل القول فيها في كتب النحو.
وقد ترد صيغة التفضيل (أفعل) غير مراد منها معنى التفضيل، فيتضمن حينئذ معنى اسم الفاعل، كقولنا: (الله أكبر)، فـ (أكبر) هنا ليس على معنى التفضيل.
أمثلة قرآنية جاء فيها (اسم التفضيل) على بابه:
جاء (اسم التفضيل) في مواضع عديدة في القرآن الكريم على بابه، أي مراد منه المفاضلة بين أمرين، زاد أحدهما على الآخر في الصفة المُفَاضَل فيها. وهذه أمثلة على ذلك:
- قوله سبحانه: {ورحمة ربك خير مما يجمعون} (الزخرف: 32)، (الخيرية) هنا فيها معنى التفضيل، قال الآلوسي: "وثبوت أصل الخيرية لما يجمعه الكفار، كما يقتضيه (أفعل التفضيل)؛ إما بناءً على أن الذي يجمعونه في الدنيا قد يكون من الحلال الذي يُعد خيراً في نفس الأمر. وإما أن ذلك وارد على حسب قولهم ومعتقدهم أن تلك الأموال خير".
- قوله سبحانه: {أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} (الكهف: 43)، {أكثر} و{أعز} اسما تفضيل في الآية على معنى (التفضيل) الحقيقي. والمعنى: أنا أكثر منك مالاً، وأعز منك نفراً.
- قوله تعالى: {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} (الزمر: 35)، {أسوأ} و(أحسن) اسما تفضيل، و(التفضيل) على ما قال الزمخشري؛ للدلالة على أن الزلة المكفرة عندهم هي الأسوأ لاستعظامهم المعصية مطلقاً لشدة خوفهم، والحسن الذي يعملونه عند الله تعالى هو الأحسن لحسن إخلاصهم فيه.
- قوله سبحانه: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} (البقرة: 61)، {أدنى} اسم تفضيل، وهو خبر عن {هو}، والأصل أن تتصل به (من)، لكنها حُذفت وما دخلت عليه؛ للعلم بهما، وحَسُنَ حذفهما كون (أفعل التفضيل) خبراً، والتقدير: أدنى من ذلك الطعام الواحد.
وحَذْفُ (مَن) هذه المتصلة باسم التفضيل كثير في القرآن، نحو قوله تعالى: {والآخرة خير وأبقى} (الأعلى: 17)، أي: خير من الحياة الدنيا وأبقى منها.
- قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} (البقرة: 106)، {بخير} أفعل التفضيل، و(الخيرية) ظاهرة؛ لأن المأتي به، إن كان أخف من المنسوخ أو المنسوء، فـ (خيريته) بالنسبة لسقوط أعباء التكليف، وإن كان أثقل، فـ (خيريته) بالنسبة لزيادة الثواب.
- قوله سبحانه: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (البقرة: 271)، {خير} أفعل التفضيل، والمفضل عليه محذوف؛ لدلالة المعنى عليه، وهو (الإبداء)، والتقدير: فهو خير لكم من إبدائها.
- قوله تعالى: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم} (آل عمران: 110)، (خير) أفعل التفضيل، والمعنى: لكان خيراً لهم مما هم عليه. قال ابن عطية: ولفظة خير صيغة تفضيل، ولا مشاركة بين كفرهم وإيمانهم في الخير، وإنما جاز ذلك؛ لما في لفظة (خير) من الشياع، وتشعب الوجوه.
- قوله سبحانه: {والصلح خير} (النساء: 128)، {خير} أفعل التفضيل، والمفضل عليه هو من النشوز والإعراض، فحُذِفَ؛ لدلالة ما قبله عليه.
- قوله تعالى في قصة شعيب مع قومه: {ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين} (الأعراف: 85)، {خير} أفعل التفضيل، أي: الإيفاء بالكيل والميزان خير لكم من التطفيف والبخس والإفساد؛ لأن (خيرية) هذه لكم عاجلة جداً، منقضية عن قريب منكم؛ إذ يقطع الناس معاملتكم ويحذرونكم، فإذا أوفيتم وتركتم البخس والإفساد، حَسُنت سيرتكم، وقصدكم الناس بالتجارات، فيكون ذلك أخير مما كنتم تفعلون؛ لديمومة التعامل بالعدل في المعاملات.
- قوله سبحانه: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} (هود: 22)، {الأخسرون} أفعل التفضيل؛ وذلك أن الكافر خسر الدنيا والآخرة، كما أخبر عنه تعالى، وهو في الآخرة أكثر خسراناً؛ إذ مآله إلى عقاب دائم.
- قوله سبحانه: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين} (المجادلة: 20)، (الأذلين) أفعل تفضيل، أي: في جملة من هو أذل خلق الله تعالى، لا ترى أحداً أذل منهم.
- قوله تعالى: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} (لقمان: 19)، {أنكر} أفعل تفضيل، والمعنى: إن صوت الحمير أنكر الأصوات المنكرة.
- قوله سبحانه: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} (الإسراء: 72)، {أعمى} الثاني أفعل تفضيل؛ بدليل قوله بعده: {وأضل سبيلا}. قال السبكي: "قال النحويون: (أفعل التفضيل) لا يأتي من الصفات الخَلْقِيَّة، فلا يقال: زيد أعمى من عمرو، لأنه لا يتفاوت، قلت: إنما جاز في الآية؛ لأنه من عمى القلب".
أمثلة قرآنية جاء فيها (اسم التفضيل) على غير بابه:
جاء (اسم التفضيل) في مواضع من القرآن الكريم على غير بابه، وغير مراد منه معنى التفضيل، نذكر من أمثلة ذلك:
- قوله سبحانه: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} (هود: 78)، أفعل التفضيل هنا {أطهر} ليس على بابه، بل هو للمبالغة في (الطهر). قال القرطبي: "ليس {أطهر} هنا للتفضيل حتى يُتَوهم أن في نكاح (الرجال) طهارة، بل هو كقولك: الله أكبر، وأعلى، وأجل، وإن لم يكن تفضيلاً؛ وهذا جائز شائع في كلام العرب، ولم يكابر الله أحد حتى يكون الله أكبر منه".
- قوله تعالى: {آلله خير أما يشركون} (النمل: 59)، {خير} اسم تفضيل، لكن ليس المراد هنا التفضيل؛ إذ معلوم عند من له عقل، أنه لا شركة في (الخيرية) بين الله تعالى وبينهم. قال أبو حيان: وكثيراً ما يجيء هذا النوع من (أفعل التفضيل)، حيث يُعلم ويُتحقق أنه لا شركه فيها، وإنما يذكر على سبيل إلزام الخصم، وتنبيهه على الخطأ، ويُقصد بالاستفهام في مثل ذلك إلزامه الإقرار بحصر التفضيل في جانب واحد، وانتفائه عن الآخر.
- قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (الإسراء: 9)، {أقوم} صيغة تفضيل، لكن - كما قال أبو حيان-: إن {أقوم} هنا لا يراد بها التفضيل؛ إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يرشد إليها القرآن وطريقة غيرها، وفضلت هذه عليها، وإنما المعنى: التي هي (قيِّمة)، أي: مستقيمة، كما قال: {وذلك دين القيمة} (البينة: 5)، أي: مستقيم الطريقة.
- قوله سبحانه: {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} (الكهف: 12)، {أحصى} ليس من باب (أفعل التفضيل)؛ لأن هذا البناء لا يكون من غير الفعل الثلاثي. قال الزمخشري: فإن قلت: فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل؟ قلت: ليس بالوجه السديد؛ وذلك أن بناءه من غير الثلاثي المجرّد ليس بقياس، والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع، فكيف به؟
وحاصل المعنى: لنعلم أي الحزبين أحصى أمدَ ذلك اللبث. ونظيره قوله سبحانه: {أحصاه الله} (المجادلة: 6)، وقوله تعالى: {وأحصى كل شيء عددا} (الجن: 28).
- قوله تعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} (فصلت: 15)، {أشد} هنا ليست على بابها؛ لأن (أفعل التفضيل) تكون للاشتراك في صفة ما بين شيئين، مع زيادة أحدهما على الآخر، وهنا قدرة العبد متناهية وقدرة الله لا نهاية لها، والمتناهي لا نسبة له إلى غير المتناهي، ومن ثم فإن التعبير هنا وارد على قانون قولنا: الله أكبر. ولم يكابر الله تعالى أحد حتى يكون الله تعالى أكبر منه. وهذا جائز وشائع في كلام العرب.
- قوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} (الروم: 27)، {أهون} اسم تفضيل، لكن معنى التفضيل هنا غير مراد؛ إذ لا تتفاوت المقدورات بالنسبة إلى قدرته سبحانه. فليس لديه هين وأهون، بل كل شيء هين عليه سبحانه. والمعنى هنا: وهو هين عليه. ومثل ذلك قوله سبحانه: {ربكم أعلم بكم} (الإسراء: 54)، أي: عالم بكم؛ لأنه لا مشارك لله في علمه.
- قوله تعالى: {ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} (النساء: 51)، {أهدى} أفعل تفضيل، ويُفهم من هذا، أن هؤلاء الذين وصفهم الله بالكفر أهدى من الذين آمنوا بالله ورسوله. قال المفسرون: الظاهر أنهم أطلقوا (أفعل التفضيل)، ولم يلحظوا معنى التشريك فيه؛ أو قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء لكفرهم.
وحاصل القول: إن (اسم التفضيل) إنما يؤتى به لبيان اشتراك شيئين في وصف مع زيادة هذا الوصف في أحدهما. وقد جاء هذا الاسم في مواضع عديدة من القرآن على أصله وبابه، وجاء في مواضع أُخر على غير بابه، وغير مراد منه معناه الأصلي، وبالتالي فينبغي التمييز وعدم الخلط بينهما؛ لما يؤدي ذلك الخلط إلى فساد المعنى وبطلان المراد، كما تبين من خلال الأمثلة التي أتينا عليها من كلا النوعيين.
المصدر: موقع إسلام ويب